الجزء الأول الجزء الثاني
الغلام بدأ يشك بتحقق النبوءة ولكن إلهه يطمئنه و يؤكد تحققها له !!
بمجرد أن أطاح به المرض واعتقد بأنه على وشك الموت أصاب الغلام وجل وخوف من احتمال عدم تحقق هذه النبوءة . لكنه تلقى وحياً جديداً معيداً التأكيد إليه. هذا ما يدعيه الغلام. و القصة على لسانه هي كما يلي:
((بمجرد أن أوحي إلي بهذه النبوءة - و التي كانت على وشك أن تتحقق حيث أنها لم تتحقق بعد حتى تاريخ 16 أبريل لعام 1891- فإن هذا العبد المتواضع قد واجهه مرض حاد قربني قريباً من الموت لدرجة أن معنوياتي قد انهارت. وفي هذه اللحظة الحساسمة مرت هذه النبوءة أمام عيني حينما بدا أن اللحظة الأخيرة قد دنت وربما يكون اليوم التالي هو يوم نعشي. في ذلك الوقت فكرت في هذه النبوءة و بأنه قد يكون لها بعض المعاني والتفسيرات الأخرى التي لم أستوعبها. لكن وفي تلك اللحظات الحرجة تلقيت الوحي التالي: "إن هذا لهو الحق من ربك فلا تكونن من الممترين")).(Izala-e-Auham p.199)
إذاً و مرة أخرى تم التأكيد له بأن زواجه من محمدي بيجوم أمر مفروغٌ منه. إنه أمرٌ تم تقريره في السماء. ومن هنا فلا يوجد احتمال لحدوث أي تغييرٍ على ذلك. لقد أعلن الغلام أن هذا هو المعيار الوحيد لإثبات صدقه أو كذبه. وحيث أنه كان يعتبر نفسه الممثل الحقيقي والمدافع عن الإسلام فإنه اعتبر هذه المشكلة رمزاً لانتصار الإسلام ذاته أو هزيمته.
الغلام ينحني لكي يهاجم
لكن المحظوظ ميرزا أحمد بيك كان قد رفض بازدراء طلب الغلام وقرر أن يزوج ابنته من شخص آخر هوقريبه المدعو ميرزا سلطان محمد. وقد علم ميرزا غلام بهذا الأمر. و هو الذي كان مستجمعاً كامل حماسته وعظيم ثقته بحتمية نجاحه النهائي بهذا الخصوص. و لم يكن الأمر سراً يمكن إخفاؤه. فنتيجة لإصرار الغلام وإعلاناته أصبح الأمر خبراً واسع الانتشار. لقد تم ذكره في الصحف والمجلات وأصبح حديث المدينة والناس المسلمين منهم والهندوس والسيخ والنصارى. كلهم صار شديد الاهتمام بمعرفة تطورات هذا الموضوع. أصبح موضوع الزواج الرباني للميرزا أكثر إثارة للناس من أي زواج ملكي. إن التحديات الكثيرة التي أعلنها الغلام من وقت إلى آخر جعلت الموضوع شديد الإثارة والتعقيد في نفس الوقت. أما أفراد عائلة الفتاة والذين كانت لديهم خلافات دينية مع ميرزا غلام فقد ضاع احترامهم أمام الناس من خلال الإعلانات العامة المخزية التي قام بها الميرزا. لكن والد الفتاة أصر على رفض طلب الميرزا قطعياً. و كان هذا الأمر بالنسبة لميرزا غلام جد خطير إلى درجة أن إتمام هذا الزواج أصبح مسألة حياة أو موت. كيف لا و قد أعلن هو نفسه أن هذا الزواج هو اختبار لمصداقيته أو أباطيله. لقد ادعى ميرزا غلام هذه النبوءة وأعلنها وحددها بشروط قطعية ومطلقة وواضحة لدرجة أنه كان من الصعب عليه التراجع عن هذا الموقف أو حتى إعادة تفسير تلك النبوءة لكي تعني شياً آخر غير الذي كانت تعنيه.
وعلى أية حال فإن ميرزا غلام كان يصرح بأنه ومن الناحية النظرية فإنه يجب على الشخص الموحى إليه أن يكافح من أجل تحقيق نبوءاته. و من وجهة نظر الغلام فإنه لا يوجد تناقض بين هذه الجهود وبين موقعه كمتلقي موحى إليه. إنه وبسبب وجهة النظر تلك أمر الغلام ببناء منارة في قاديان لتحاكي المنارة التي ذكرت في الحديث المتعلق بنزول عيسى عليه السلام. يقول الغلام في هذا المجال ما يلي : (( لو أن الوحي الإلهي أخبر بشيء ما كنبوءة فإنه لو كان بالإمكان لرجلٍ تحقيق هذه النبوءة بدون أن يسبب فتنةً وبدون اللجوء إلى الطرق الغير شرعية فإن بذل تلك الجهود من أجل تحقيق تلك النبوءة ليس جائزاً فقط ومباحاً بل هو أمر مسنون)).
(Haqeeqat-ul-Wahi p.191).
وباتباعه هذا المبدأ حاول وبكل الوسائل المتاحة إقناع والد وأقارب محمدي بيجوم أن يوافقوا على طلبه الزواج من ابنتهم. لقد لجأ إلى جميع وسائل الإغراء والتهديد التي كان بمقدوره أن يوظفها في طلبه ليد الفتاة كما هو في إعلانه المؤرخ بتاريخ العاشر من يوليو عام 1888. إن أسلوب الترغيب و الترهيب كان ظاهراً و واضحاً في ذلك الخطاب. فقد وعد في حال قبول طلبه بجائزة ربانية. أما في حال رفض طلبه فإنه حذرهم من الغضب الشديد للإله. رسائله إلى العديد من الأقارب بمجرد أن أصبح واضحاً أن والد الفتاة محمدي بيجوم مصمم على أن يزوج ابنته من رجلٌ من لاهور - هو محمد سلطان - بدأ ميرزا غلام كتابة رسائله إلى مختلف الأقارب. كتب رسائل إلى أبيها ميرزا أحمد بيك و إلى عمها ميرزا علي شير بيك و إلى عمتها وإلى أقارب آخرين. كتب إلى كل شخصٍ بامكانه أن يكون له أي تأثير في قرار الزواج. لقد طلب من جميع أولئك الناس و بضعفٍ و تذللٍ كبير أن يبذلوا كل مساعيهم الخيرة في هذا الموضوع.
لقد كان ميرزا شير علي بيك ابن خال لميرزا غلام. كانت زوجة ميرزا غلام الأولى - والتي هي أم لأبنائه الاثنين سلطان احمد و فضل احمد - كانت أختاً لميرزا شير علي. ولكن ميرزا غلام جعلها معلقة لسنين عديدة دون أن يردها إليه أو يطلقها. ونتيجةٍ لذلك ولسنوات طويلة بقيت تلك السيدة الفقيرة مع والديها. لقد رفض ميرزا غلام أيضاً أن يدفع لها نفقتها الواجبة عليه. لقد كان ميرزا شير علي عماً لمحمدي بيجوم. وكانت زوجته أختاً لوالد محمدي بيجوم. بالإضافة إلى ذلك فقد كان ميرزا شير علي والداً لعزت بيبي زوجة فضل احمد ابن ميرزا غلام. و كانت والدة عزت بيبي زوجة لميرزا علي شير بيك كما وكانت أيضاً عمةً للفتاة محمدي بيجوم.
وبسبب ذلك السلوك الغير أخلاقي الذي اتبعه ميرزا غلام مع زوجته الأولى فإن جميع أقاربه كانوا يشعرون بالغضب نحوه. وقد علم ميرزا غلام أن عزت بيبي زوجة ابنه "ميرزا فضل احمد" و والدتها كانتا من المعارضين لزواجه من الفتاة محمدي بيجوم. و علم أيضاً بأنهم فضلوا زواج البنت من ميرزا سلطان محمد. لذلك فقد إستشاط غيظاً و غضباً وكتب عدة رسائل إليهم. و قد قام القاضي فضل احمد لود يانفي بطباعة تلك الرسائل في كتابه " كلمة فضلي رحماني". و قد احتفظ بالرسائل ميرزا شير علي بيك و أعطاها للشيخ نيزوالدين من راهول والذي أعطاها بدوره للقاضي فضل أحمد. و فيما يلي مقتطفات من تلك الرسائل التي تلقي الضوء على عقلية الرجل الذي أدعى أنه المصلح المعَين من السماء و بأنه المهدي و المسيح.
الرسالة الأولى
في الثاني من مايو لعام 1891 كتب ميرزا غلام إلى أخ زوجته "ميرزا شير علي بيك": ((عزيزي ميرزا شير علي بيك. السلام عليكم ورحمة الله. يعلم الله أنني لا أتعامل معكم كأناس غرباء وأنني أعترف بأنك تتمتع بحسن الخلق و طيب الفطرة و الاستقامة على الاسلام. ولكن ما سأخبرك به الآن سيؤثر عليك ويضيرك كثيراً. أقسم بالله أنني أنوي قطع علاقاتي مع أولئك الذين يعتبرونني حقيراً و بأنني عدو للدين. وبخصوص ابنة ميرزا أحمد بيك فأنت تعلم كم هي خلافاتي مع أهلها. و قد سمعت أنه في الثاني أو الثالث من العيد ستتزوج الفتاة وأن أناساً من عائلتكم داخلون في هذه النقاشات. وأنت تعلم أن المشاركين في هذا الزواج هم أعدائي الألدَاء. علاوةً على أنهم أعداءٌ للأسلام. إنهم يريدون أن يثيروا سخرية النصارى ويريدون أن يدخلوا السرور على الهندوس كما أنهم لا يهتمون مطلقاً بدين الله ورسوله. إنهم قد قرروا وبكل حزمٍ أنني يجب أن أُفضح ويريدون أن يسودوا وجهي. إنهم على وشك أن يستخدموا السيف من جانبهم. ولكن إنها إرادة الرب أن ينقذني. فإذا كنت أنا منه فإنه سوف ينقذني بالتأكيد. لو أن أفراد عائلتكم مجتمعين حاولوا إقناع أخيك فلماذا إذاً لا يعطي موافقته؟ هل أنا من طبقةٍ وضيعةًً حتى يكون عاراً عليه أن يزوج الفتاة لي؟ ومن جانب آخر فإنه مستمرٌ في إهمال طلبي للزواج. و أخيراً تركني تحت رحمة أخيه. والآن فإن الجميع قد توحد في مسألة زواج الفتاة. ماذا أريد أن أفعل بهذه الفتاة؟ ربما أنها ستتزوج من أي شخص آخر. إن هذا مجرد اختبار. إن هؤلاء الذين اعتبر أنهم مني والذين أردت أن يكون لي نسلاً من ابنتهم وإرثاً هم عطشى إلى دمي. إنهم يطعنون في شرفي ويريدون أن يفضحونني ويسودوا وجهي. إن الأمر يعود إلى الرب لكي يكشف خيانة من يشاء بإرادته. ولكن فيما يتعلق بهؤلاء الناس وإلى مدى بعيد فإنهم يريدون حقاً أن يلقوا بي في النار........و بما أنني أنتمي إلى هذه الطبقة الوضيعة فإنه لا يوجد سبب لأن أحتفظ بعلاقة مع ابني. ومن هنا فقد كتبت إليهم بأنه إذا لم تتوقفوا عن نيتكم ولم تمنعوا أخاكم من إتمام هذا الزواج فإن ابني فضل احمد لن يكون بالنتيجة قادراً على الاحتفاظ بابنتكم على ذمته. ففي حال زواج محمدي من شخص آخر فإن فضل احمد سيطلق ابنتكم. وإذا لم يطلقها فسأحرمه من ميراثي. ولكن إذا واجهتم أحمد بيك من أجلي وأوقفتموه عن نيته تلك فإنني سأكون معكم بقلبي و روحي . وكذلك ابني فضل احمد الذي هو الآن تحت سيطرتي. فإنني سوف أوجهه وأصلحه في كل مجال و سوف أحاول أن أرتب كل شيء بخصوص ابنتكم. كما أن ثروتي ستكون ثروتهم. وهكذا فإنني أكتب إليك لكي تغتنم هذه الفرصة. ولكي تكتب أقوى رسالة إلى أحمد بيك بأن عليه أن يتوقف عن هذا. وأن تأمر أفراد أسرتك أن يواجهوا أخاهم و أن يوقفوه وإلا فإنني أقسم بالله بأنني سوف أقطع جميع العلاقات معكم إلى الأبد. وإذا أراد فضل احمد أن يكون ابناً لي ووريثاً لي فسيحتفظ بابنتكم في بيته. و تكون سعادة زوجتك متوقفةٌ على هذا الأمر. وما عدا ذلك وبمجرد أن أذهب فستكون جميع علاقاتنا مقطوعة.........))
" Khaksar Ghulam Ahmad. Ludhiana. Iqbal Gunj dated May 2. 1891." (Kalma-e-Fazl-e-Rehmani by Qazi Fazal Ahmad. collection of leters of Mirza Ghulam to the relatives of Mohammadi Begum. Cited in Qadiani Madhhab and Raees-e-Qadian).
رد شير علي بيك على ميرزا غلام في الرابع من مايو عام 1891 ((أخي ميرزا غلام أحمد. السلام عليكم. استلمت رسالتكم . إنه لمن لطفك أن تعتبرني من ذوي الفطرة السليمة ومن الأتقياء. لكنني لا يمكن أن أقبل ادعاءك للنبوة. وإنني أدعوا الله بأن يجعلني أستقيم على طريق أسلافنا الصالحين وأن يميتني على ذلك..... ماذا أستطيع أن أفعل بخصوص أحمد بيك ؟ إنه مسلم بسيط. فما وقع وحدث كنت أنت المتسبب فيه. فلو أنك لم تفسد عقيدتك ولم تدع تلقي الوحي ولو أنك لم تتهدده بالموت لكان بالإمكان أن لا يرفضك. صحيح أنك تقدمت كقريب لكن كان عليك أن تفكر بنفسك أنه لو كان أحمد بيك مكانك وأنت مكانه فماهي الأشياء التي ستضعها في اعتبارك قبل الموافقة على هكذا طلب؟ لو أن أحمد بيك طلب منك هذا الزواج وهو مصاب بالعديد من الأمراض و هو فوق الخمسين من العمر و علاوة على ذلك أنك تفوق مسيلمة الكذاب فهل ستوافق على تقديم يد ابنتك له؟.
كان عليك أن لا تشطط بعيداً حين كتابة الرسالة. هناك فتيات في كل بيت. كما أن نظام العالم يتقدم في مثل هذه الأحوال. لا يوجد أي ضرر إن قمت بتطليقها فهذا سيصبح تقليداً جديداً للنبوة. وعليك أن تتقبل سواد هذا العار على وجهك. أما بالنسبة لرغيف الخبز فإن الله سيرزقنا إياه من أي مكان سواءً أكان طازجاً أو جافاً. ولكن ذاك الخبز الجاف هو الأفضل حيث سيكون بالكسب و الجهد.
إنني أكتب إلى أخي أحمد بيك وإنني أيضاً أعيد رسالتك التي أرسلتها مع تلك الرسالة. وحيث أنني لا أستطيع أن أقوم بعمل أي شيء ما دام هو موجوداً. كما أن زوجتي ليس لديها الحق أن تطلب من ابنة أخيها أن توافق على طلب زواج من رجل مريضٍ جداً وصل به المرض الذهني وتطور إلى درجة الاتصال بالسماء....لو أن والدها وافق بنفسه على ذلك فإنني وزوجتي لن نعارض. لقد قمت بالكتابة إليه شخصياً. ولكن قلمك قد تعود على كتابة الكلمات القاسية والصلفة. وبقدر ما تستطيع عليك أن تبتعد عن استخدام مثل تلك الكتابات. وحاول أن تلتمس وأن ترجو في طلبك)). Khaksaar. Ali Sher Baig. Qadian dated 4th May 1891" (Nawishta-e-Ghaib by Khalid Wazirabadi pp.126-128. cited in Qadiani Mazhab by prof Burni p.463).
يتبع في الجزء الرابع